أطفال في سن الخامسة يصححون أخطاء الأساتذة.. يسبقون الآلة الحاسبة ويشرحون الظواهر الفلكية
لماذا تولي الدولة اهتماما بالمتخلفين عقليا وذوي الإعاقات
الذهنية، وتخصص لهم مراكز عناية خاصة بينما لا تهتم بالأطفال خارقي الذكاء
ممن لديهم تقدم فكري ووجداني غير طبيعي يسبق أعمارهم؟ فالحديث عن التكفل بهذه
الفئة النادرة من الأطفال الذين يحملون في عقولهم العبقرية ليس من
اهتمامات المدرسة الجزائرية ولا في أجندة المنظومة التربوية رغم أن لجنة
إصلاح التربية التي نصبها رئيس الجمهورية في ماي 2000 تحدثت
في الشق الثاني من الجزء الثالث من تقريرها حول هؤلاء الأطفال النبغاء
الذين يملكون قدرات خارقة والممتازين والموهوبين الذين يتمتعون بإمكانيات ذهنية غير طبيعية ولدت معهم، ودعت اللجنة إلى عدم تهميشهم.
يضع المختصون في علم النفس والتربية معايير إذا ظهرت على أي طفل
فإنه يصنف ضمن حالات النبوغ الفكري ويستدعي الاهتمام به من طرف الأولياء
والمعلمين والوسط الاجتماعي والتربوي ويخضع إلى متابعة نفسية وبيداغوجية
خاصة تتلاءم مع نموه العقلي المبكر، هذه المعايير تتمثل في النمو السريع
للعقل، حدس خارق، فهم سريع، إحساس عال، فضول، إبداع، شدة انتباه، روح
الدعابة، ذاكرة سريعة، ويتمتعون بموسوعة لغوية مشبعة بالمفردات والمصطلحات،
فلا شك أن في وسط العائلات الجزائرية يوجد المئات بل الآلاف من هذا النوع
من الأطفال الذين يتمتعون بقدرات ولدت معهم بشكل خارق للطبيعة، ويجهلون
كيفية التعامل معهم، إلى درجة أن الطفل النابغة بدلا أن يكون مشروعا عبقريا
يجد نفسه حالة شاذة وسط المدرسة التي تعاقبه على ذكائه ونبوغه وتجعل منه
فاشلا في الدراسة ومهددا بالرسوب المدرسي ثم التسريح من المؤسسات التربوية. وهذه حقائق أكدها لنا الكثير من المختصين في مجال علم النفس ومسؤولون في وزارة التربية.
يمثل الأطفال ذوو النمو الفكري المبكر والمواهب الخارقة للعادة-
حسب تقديرات المختصين- حوالي 2 إلى3 بالمائة من مجمل الأطفال المتمدرسين في
الجزائر، لكن صعوبة اكتشافهم وتشخيص حالتهم تجعل عملية التكفل بهم جد صعبة
خاصة من طرف المعلمين.
خالد كداد مختص في علم النفس
المدرسة الجزائرية تقضي على الطفل النابغة
قال الدكتور خالد كداد وهو رئيس نقابة الأخصائيين النفسانيين
ويعمل بقطاع الصحة العمومية، إن موضوع النبوغ الفكري والذكاء الخارق للعادة
لدى الطفل مسألة غير متكفل بها في الجزائر، حيث لا يوجد مدارس خاصة بهذه
الفئة، ودور الأخصائي النفساني في المدرسة قد يساعد هؤلاء الاطفال على
التأقلم في وسط دراسي أقل منهم كفاءة وهذا ظلم أخلاقي لأن الاطفال العاديين
سيقضون على موهبة الطفل الخارق، لذا يجب على الدولة أن تؤسس مدارس خاصة
بهم نفسيا وبيداغوجيا لاستغلال القدرات الفكرية الهائلة وخلق نخبة. ويرى
الدكتور كداد أن التعامل مع طفل نابغة في وسط دراسي متوسط وعادي هو عقوبة
له وقضاء على موهبته: "إننا بهذا الشكل نطلب من طفل خارق الذكاء والفكر أن
يتأقلم مع المدرسة العادية وهذا غير مقبول لديه وينتج عنه مشاكل في التحصيل
الدراسي وانحرافات في السلوك حيث يصبح مصدر شغب في القسم ويرفض الدروس
التي تقدم له وبالتالي قد يرسب ويفشل في الدراسة، فأخلاقيا لا يجوز أن ندمج فائقي الذكاء والموهبة غير العادية مع أطفال أقل مستوى منهم".
رئيس اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ
ليس لدينا الإمكانيات المادية للتكفل بالأطفال النبغاء
قال خالد أحمد، رئيس اتحاد جمعيات أولياء الأطفال، إن الجمعية ليس
لديها الأموال والإمكانيات للاهتمام بالطفل النابغة خارق المواهب، ويقتصر
دورها على مساعدة الأطفال المحتاجين والفقراء في اقتناء الأدوات المدرسية
والمحافظ والنظارات الطبية وغيرها من الإعانات المادية، في المقابل تشجع
الأطفال الموهوبين، لكن بشكل محتشم ولا تملك القدرة على التكفل بهم، لأن
هذا من واجب المنظومة التربوية والدولة التي يجب أن تخلق أقساما خاصة بهم
في الابتدائي والمتوسط وتضع لهم نظاما بيداغوجيا ونظاما غذائيا خاصا بهم،
لكن المنظومة التربوية- حسب رئيس جمعية أولياء التلاميذ- لا تهتم بهذا النوع من الأطفال.
أطفال يصححون أخطاء المعلمين، يسبقون الآلة الحاسبة ويشرحون الظواهر الفلكية في سن الخامسة
قال الأستاذ خالد أحمد، وهو أستاذ سابق في مادة الرياضيات، إنه
عايش حالة من الذكاء والتقدم الذهني الخارق للعادة لدى طفل في سنه العاشرة،
كان يدرس بإحدى مدارس ولاية بجاية. هذا الطفل يستطيع أن يسبق الآلة
الحاسبة في أصعب عمليات الضرب والقسمة ويتمتع بفطنة وذكاء غير عادي إلى
درجة أن المعلم كان يتأسف لحالته، كيف لهذا الطفل أن يتمدرس مع 40 طفلا
يستعملون الأصابع والخشيبات في الحساب؟ ولا ندري ما كان مصيره في السنوات
الماضية؟ وتقول مربية في إحدى الروضات بولاية بومرداس إنها تدرس طفلا صغيرا
في سن الخامسة في قسم التحضيري يصحح لها مفرداتها اللغوية في النحو والصرف
ولا يتوقف عن مدها بكم هائل من المعلومات العلمية التي تفوق سنه بكثير.
هذا الطفل الخارق للذكاء التقينا به داخل أسرته المتواضعة ولم يفشل في
الإجابة عن أي سؤال في المجال العلمي. وأدهشنا بشرحه لنا بعض الظواهر
الفلكية وقوة الجاذبية وبعض المعلومات التي لا يستطيع الطالب تحصيلها حتى
في الطور الثانوي. تقول والدته إنه يستطيع أن يخزن في ذاكرته كما هائلا من
المعلومات التي يتلقاها من أشرطة علمية في مرة واحدة، وله توجه علمي خارق
حيث استطاع هذا الطفل أن يخلق بنفسه في إحدى الغرف ما يسميه "مختبره الخاص"
لا يدخله سواه ويشرح لنا بعض الابتكارات الافتراضية بشكل مدهش، كمولد
الطاقة، وآلة النسخ... ومن بين السلوكات الظاهرة عليه أنه قليل الخروج من
البيت ويمل المدرسة وليس له أصدقاء من نفس سنه ويملك روح الدعابة، حسب ما
قالت لنا والدته.
المنظومة التربوية "أخطأت" في احتواء الأطفال النبغاء
جاء في تقرير لجنة بن زاغو لإصلاح المنظومة التربوية جزء عن ثلاثة
أصناف من الأطفال المتمدرسين، الفئة الأولى وهم الممتازون والذين يتمتعون
بذكاء ونمو فكري عادي لكنهم مجتهدون ويحصلون على نتائج دراسية ممتازة.
والفئة الثانية وهم الأطفال ذوو المواهب كالرسم والموسيقى والرياضة وغيرها.
أما الفئة الثالثة فهم الأطفال خارقو الذكاء والموهبة ولدت معهم بشكل مبكر
ويملكون قدرات فكرية أكبر من سنهم وبشكل خارق، وأكدت اللجنة في تقريرها
على عدم خلق أية مراكز أو مدارس خاصة بهذه الفئة وألحت على دمجهم في الوسط
الدراسي العادي شرط الاهتمام الفردي والبيداغوجي بهم. وهو ما يعتبره الأخصائيون ظلما وقرارات تهدم العبقرية داخل هذه الفئة النادرة من الأطفال.
وينص قانون التوجيه للتربية الوطنية رقم 08 -06 المؤرخ في 23 جانفي 2008 في
المادة 81 و82 عن الطور التحضيري وهو الوسط الذي يفترض أن يكشف عن الأطفال
ذوي المواهب الخارقة. كما حصرت الإصلاحات في المنظومة التربوية بشأن
المتفوقين في المادة 86 من قانون التوجيه التي تنص على إنشاء مدارس
الامتياز للطور الثانوي للتكفل بالمواهب الاستثنائية والحاصلين على نتائج
امتياز. وقد فتحت أول ثانوية للممتازين في مادة الرياضيات ببلدية القبة
بالجزائر العاصمة تضم حوالي ثلاثة متفوقين من كل ولاية في مادة الرياضيات.
يذكر أن الجزائر من بين الدول التي تنجب تلاميذ متفوقين في الرياضيات ويفوزون في مسابقات "ألومبياد الرياضيات" التي تنظمها أوروبا.
لكن المختصين يرون أن ثانويات الامتياز لا علاقة لها بفئة الخارقين، ولا تمثل حلا للأطفال ذوي الفكر المتطور والنمو العقلي المبكر الذين يجب التكفل بهم في سن مبكرة.
وقد صرح لنا مصدر مسؤول في وزارة التربية الوطنية أن "الوزارة
كانت بصدد دراسة مشروع مدارس الامتياز في الطور الابتدائي للتكفل بهذه
الفئة النادرة من الأطفال العباقرة وهو مشروع كان مطروحا في وقت أبو بكر بن
بوزيد لكن الوزارة تخلت عنه لأسباب ما واقتصر اهتمامها بالمتفوقين في
نهاية السنة الرابعة متوسط على أساس أن العبقرية تبدأ في الظهور بعد 10 سنوات من التعليم".
أمام إهمال الوزارة والمنظومة التربوية لفئة خارقي الفكر وذوي
القدرات غير الطبيعية، يرى المختصون أن الحل قد يكمن في تمكين هؤلاء
الأطفال من الانتقال بسرعة إلى أقسام عليا وتسريع وتيرة الدراسة والنمط
البيداغوجي، حيث أثبتت الدراسات أن الطفل المتفوق يستطيع أن يتأقلم ويوسع
من قدرة عطائه الفكري كلما وجد نفسه في مستوى دراسي أعلى.
مبادرة للكشف عن الأطفال النبغاء
أطلق بعض المختصين والمهتمين بالأطفال النبغاء مبادرة مشروع بحث
حول اكتشاف وتشخيص والتكفل بالأطفال ذوي المواهب غير العادية في سن مبكرة.
المبادرة حاليا في طور البحث عن العائلات التي لديها أطفال يحملون مواصفات العباقرة من خلال جملة من المعايير التالية:
أطفال يسألون كثيرا حول كل شيء، تكلموا ومشوا في سن مبكرة أو كان
لديهم تأخر في النطق لكنهم تكلموا بوضوح. أطفال كثيرو الحركة لكنهم ينهون
أعمالهم، يملون من الذهاب إلى المدرسة لكنهم يفهمون كل ما يقال لهم من أول
مرة، يكتبون بخط غير واضح وغير مقروء، ليس لديهم الكثير من الأصدقاء من نفس
أعمارهم... هؤلاء هم الأطفال الذين يملكون صفات العباقرة.. وعدم التكفل بهم يجعلهم مجرد فاشلين ومشاغبين في الدراسة ويهددهم الرسوب والتسريح من المؤسسات التربوية.